«وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»

«وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ»

تسمع خطابهم وتقرأ كتابهم فتخالهم أعاجم ممن يقول للخبز «كبزا» وممن لا يحييك إلا بـ «باي»، وقديماً قيل الإنسان اللسان، واللغة الهُوية، فمن اعوج لسانه لم يستقم جنانه.
إن اللغة اللسان بعدك للشاهدِ لك، والقلم للغائبِ عنك، والعين لما كان قبلك، تتلقى بها تراثَ الأمة كلَّه وتندمج فيه بما يثريك، فإن تخليت عنها اجتثثت بناءك من أصله، واقتلعت غرسك من جذره.
إن العربية ذخيرة مشتركة وقاسم جامع لمختلف الأقطار العربية، بله إنها عامل التوحُّد بين المسلمين، ولنعتبر بقرار المجلس الأوروبي لسنة 1388هـ الداعي لوجوب إزالة العوائق اللغوية بين البلدان الأوروبية، دعما لتوحدها السياسي وتسديدا لمسارها الاقتصادي.
ألم يثبت علم الاجتماع أن اللغة والأمة أمران متلازمان لا ينفصلان؟
ما لنا نُرى اليوم إذن ونحن في وقت الجهد والضَّنَى، ونحن في مفترق الطرق، فإمَّا إلى جنة وإما إلى نار، نفتح كل يوم لنا ثغْرة في بناء هويتنا العربية الإسلامية بتخلينا عن لغة قرآننا؟
كيف نتسامح مع المخربين لإسلامنا بتخريبهم لغتنا أي هُويتنا ؟
كيف يُسمح لقنوات الإعلام والإشهار ببَثِّ سموم في جسدنا العربي عبر سيل البرامج الإذاعية والتلفزية والفضائية وخلال مختلف الإعلانات، مما يملأ أنهج مدننا بلغة نشاز؟
كيف صرنا نقرأ «فلاش باك» «flash-back» فنظن «باك» اسم فاعل من بكى يبكي، ونرى «شُوزْ» مكتوبة فنخالها مصدرا للفعل «شَوِزَ» (أي شُغِف) في حين أنها «Shoes» الإنجليزية، ونسمع داعيا يستنهض الهمم ناصحا أن يكون المسلم «فار» وعند استفسارنا يتضح أنه يقصد «Phare» الفرنسية (أي منارة تهدي إلى سواء السبيل)؟...
هل غيرت الأرض غير الأرض؟ أين أرض اليمامة وأين تهامة؟ أين العروبة وأين الإسلام؟
ما بال نسائنا ورجالنا قد استبدلوا لغتهم بلغة شوهاء عرجاء هي مزيجٌ من العامية والأعجمية، ليس لها من الأولى إلا الخواءُ وليس لها من الثانية غير الجفاءِ؟
إنه لا صلاح لأمة ما لم ترب أبناءها على لغة القرآن الكريم، لغة عربية غير ذات عوج، معتزين بدينهم رافعين شعاره.
كيف يسعى لجنون من عقل، فيلقن أبناءه لغات أعجمية تفصلهم إن عاجلا أو آجلا عن سنة الرسول -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم- وتبذر في نفوسهم بذرة الدونية والهزيمة؟ وهل تكلم الحبيب المصطفى يوما لغة كافكا وشكسبير، أم أنه تكلم لغة تيلور وفولتير؟
لا حياة لمن احتقر نفسه فتكلم بلسان غيره ونبذ إرثَه، فالبدء من عدم هدرٌ للطاقة وعجز عن الفعل، والبناء على أرض الغير ذُلّ وخسارة، ومن استعار ثوبا لا بدَّ مرجِعُه يوما... وما سُكِتَ عن خَرْقٍ إلا اتسع، وما أُغْفِلَ بناءٌ إلا وقع... لكنه:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
وهذا رمضان فبم تراه طالعا علينا السنة بعد طول غياب؟ بإصلاح شؤوننا أم بمزيد من المسلسلات والسراب؟