معركة بلاط الشهداء استشهاد عبدالرحمن الغافقي منع المسلمين من السيطرة علي أوروبا بأكملها
من أشهر المعارك الفاصلة في التاريخ تلك المعركة التي قامت بين المسلمين والفرنجة في سهول فرنسا علي ضفاف نهر اللوار في اكتوبر سنة 732م، والتي يطلق عليها معركة بلاط الشهداء.. حيث كان يقود جيوش الفرنجة 'شارل مارتل' ويقود جيش المسلمين في الاندلس عبدالرحمن الغافقي.
ولم تحظ معركة بكل هذا التهليل من جانب أوروبا كتلك المعركة، حيث تغني بها الشعراء والأدباء والفنانون، لاعتقادهم بأنه لو تم النصر للمسلمين في هذه المعركة لاكتسح الإسلام أوروبا كلها كما كان يأمل عبدالرحمن الغافقي. وبالتالي كانت هذه المعركة الحد الفاصل بين عصر وعصر، وانقلبت الموازين، وأمنت أوروبا من الزحف العربي الكاسح الذيفتح نصف فرنسا علي يد عبدالرحمن الغافقي
و لنعد قليلا الي الوراء حيث استطاع موسي بن نصير أن يرسل قائده طارق بن زياد أن يعبر جبل طارق ويفتح الاندلس 'أسبانيا'.. وكان جيش طارق بن زياد يضم 12 ألف مقاتل واستطاع جيش طارق أن يخترق الاندلس التي كانت تعاني من حكم ملك ظالم هو 'لوزريق'.. وبعدها دخل موسي بن نصير نفسه بجيش قوامه 18 ألف مقاتل، فوصل الي طنجة سنة 712م = 95ه، وبدأ يحكم أسبانيا، ويخضعها للحكم الاموي، بعد أن ضم أهم المدن الاندلسية وأصبحت أشبيليه هي العاصمة.
وعرف الاسبان تحت الحكم الإسلامي معني التسامح الديني، فلا اكراه لأحد علي دخول الإسلام، كما شاهد الاسبان عن قرب احترام المسلمين للآخرين، وسيادة قيم العدل والفضائل، فدخل الكثير منهم في الإسلام، بعد أن عاشوا عصرا جديدا مختلفا تماما عما كانت عليه الاندلس من قبل الفتح الإسلامي.
وتوالي الولاة تحت الحكم الأموي، بعد ذلك، وكان المد الإسلامي يتجه صوب أوروبا،وكانت من آمال موسي بن نصير فتح جنوب فرنسا وايطاليا والوصول الي عاصمة الخلافة الاموية بعد حصار القسطنطينية. ولكن الخليفة الوليد بن عبدالملك رفض خطة موسي بن نصير لانه كان يري أهمية انتشار الإسلام في البلاد المفتوحة بدلا من هذا التوسع الهائل وتوقفت طموحات موسي بن نصير.
ولكن ظهرت بعد ذلك الاضطرابات في الاندلس، واندلعت الفتنة والدسائس والمؤامرات من أجل الحكم، الي أن تولي عبدالرحمن الغافقي ولاية الاندلس، وكان رجلا من النابغين، تلقي الفقه والحديث عن عبدالله بن عمر وقد ذهب الي الاندلس مع المجاهدين، كما كان يمتاز بالحصافة العسكرية وبعد النظر، ولو ساعده الحظ وانتصر في معركة 'بلاط الشهداء' لكان من أعظم قواد التاريخ ولا ننشر الإسلام في أوروبا كلها، وتحقق الامل الذي لم يستطع أن يحققه موسي بن نصير، ولكن الرياح تأتي دائما بما لا تشتهي السفن كما يقولون.
لقد حكم الاندلس وهي تشرف علي فوضي عارمة فعاد الأمن والأمان الي ربوعها، وضبط الأمور فيها حتي تكون قاعدة لتحقيق ما يرنو إليه من نشر ضوء الحضارة الإسلامية في ربوع أوروبا التي كان يخيم عليها الجهل والتخلف والغباء، واستطاع بالعقل أن يفتح نصف فرنسا.
وهنا استيقظت أوروبا لدرء هذا الخطر، واجتمعت أم الشمال علي ضفاف نهر اللوار بقيادة شارل مارتل لوقف الزحف العربي الإسلامي.
كانت المعركة في سهول فرنسا بين الإسلام والنصرانية بيد أنها كانت من الجانب الآخر بين غزاة الدولة الرومانية والمتنافسين في اجتناء تراثها، كانت بين العرب الذين اجتاحوا املاك الدولة الرومانية في المشرق والجنوب، وبين الفرنج الذين حلوا في المانيا وغاليس 'فرنسا'.. والفرنج هم شعبه من اولئك البربر الذين غزوا روما وتقاسموا تراثها من وندال وقوط وآلان وشوابيين، فكان ذلك اللقاء بين العرب والفرنج في سهول فرنسا، أكبر من نزاع محلي علي غزو مدينة أو ولاية بعينها، كان هذا النزاع في الواقع أبعد ما يكون مدي وأثرا، اذ كان محوره تراث الدولة الرومانية العريض الشاسع، الذي فاز العرب منه بأكبر غنم، ثم أرادوا أن ينتزعوا ما بقي منه بأيدي منافسيهم غزاة الدولة الرومانية من الشمال'.
مهما يكن من شيء فقد ازعج اوروبا أن الزحف الإسلامي يقترب من باريس نفسها.
وهنا عبأ 'شارل مارتل' جيشا ضخما يضم فيما يضم بعض الجرمان، وبعض العشائر المتوحشة، وقد ليسوا جلود الذئاب والنمور وهم متعطشون للقتال واستعد عبدالرحمن الغافقي لهذا الجيش الضخم، واحتدم القتال بين الفريقين في هذا المكان الشاسع بين بواتيه وتور.. واستبسل جيش المسلمين استبسالا رائعا في أول أيام القتال، لم ترهبهم جيوش الفرنجة بملابسهم من جلود النمور والحيوانات المتوحشة، حتي ظن شارل مارتل أن الهزيمة لاحقة بجيشه، وفكر في طريقة يخدع بها أعدائه فاشاع بأن جيشه سوف يستولي علي الغنائم التي غنمها المسلمون في المعركة، فتراجع البعض لحماية هذه الغنائم مما مهد الطريق لانكسار المسلمين، ولم يستمع 'البربر' لنداءات عبدالرحمن الغافقي للتفرغ للمعركة والمعركة وحدها، بل عادوا ادراجهم الي الخلف من اجل الغنائم، فكانت فرصة أمام جيش الفرنج أن يتقدم داخل صفوف المسلمين، وبذل عبدالرحمن الغافقي جهدا يفوق الطاقة البشرية وهو يحارب بسيفه وبنفسه ومع كتيبة الاعداء، مما جعل الاعداء يفرون من هذه الكتيبة، ويرجعون الي الوراء، الا أن الاعداء أحاطوا به بينما اندفع البعض الي الوراء لحماية الغنائم، حتي سقط شهيدا، وبسقوط عبدالرحمن الغافقي، تخاذلت جموع المقاتلين معه، وانسحبوا الي الوراء.. في تلك المعركة الدامية التي أطلق عليها المؤرخون معركة 'بلاط الشهداء' لكثرة ما سقط فيها من الشهداء.
وعندما تقدم شارل مارتل بحذر نحو المعسكرات المهجورة الا من الجرحي والمرضي، كان يخشي أن تكون هناك خدعة يرتد بعدها العرب للحرب، وعندما تيقن من انسحاب اعدائه،
قتل جميع من في المعسكرات من جرحي المسلمين الذين لم يستطيعوا الانسحاب بلا رحمة، ولم يفرق بين جريح وأسير ومريض.
إنما أعمل فيهم السيف، ونهب ما فيه من العتاد والسلاح وحول هذه المعسكرات الي بحيرات من دماء!
ولكنه تخاذل عن متابعة الجيش المنهزم، خشية أن تتحول انتصاراته الي هزيمة.
إن هذه المعركة كما يحدثنا عنها الدكتور محمد رجب البيومي، قد استشهد فيها عبدالرحمن الغافقي بعد أن ابلي احسن البلاء، وبذل اقصي ما يبذله قائد باسل في الزود عن حياضه، ولكن 'مأساة أحد' تكررت في سهول فرنسا مرة ثانية، اذ تكالب المسلمون علي الغنائم، وتركوا الجهاد، فأسفوا البطل الغافقي في الغرب كما سبق أن اسنوا الرسول الهاشمي يوم 'أحد' في الشرق، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ليبرز للمسلمين شتي العبر وابلغ العظات، ولكن أين من يعقل ويتدبر ويقول أيضا:
ان كارثة الغنائم وحدها هي التي أبعدت النصر القريب، وأخلفت ظنون القائد في شجاعة جنوده، وقد دعا الي التخلي عنها دعوات صارخة حين وجد التناصر عليها يفتح باب الكارثة، واذا ضاق به الامر جاد بنفسه رخيصة هنية في جنب الله، فارتفع الي مقام البررة من الشهداء.
ويقول المؤرخ الكبير محمد عبدالله عثمان أن هذه الغزوة الإسلامية الشهيرة، وهذا الجيش الضخم، خيال الشاعر الاوروبي الحديث، فنري الشاعر الانجليزي 'شوذي' يقول في منظومته عن ردريك آخر ملوك القوط: جمع لا يحصي من شام وعرب وروم خوارج فرس وقبط وتتر عصبة واحدة يجمعها ايمان هائم راسخ الفتوة وحمية مضطربة، وآخره مروعة ولم يك الزعماء.. اقل ثقة بالنصر، وقد شمخوا بطول ظفر: يتيهون بتلك القوة الجارفة التي ايقنوا انها كما اندفعت حينما كانوا بلا منازع ستندفع ظافرة إلي الأمام حتى يصبح الغرب المغلوب كالشرق بطأ الرأس اجلالا لاسم محمد.