حضارات سومر وأكد وآشور كانت تدفن موتاها هناك
مدن الدولمون عجائب تاريخية بالبحرين
الإلهة "إنكي" هجرت العراق لحضارة الدولمون للبحث عن الخلود
تنتشر في منطقة سار ومدينة عيسى وحمة ودمستان وكرز كان
عمان - أسعد العزوني:
قال الباحث الأردني في الأمور التاريخية والإرث الإنساني المصور الفوتوغرافي عبد الرحيم عرجان إن حضارات سومر وأكد وآشور كانت تدفن موتاها في أرض الخلود الدولمونية في البحرين.
وأضاف لـ الراية في العاصمة الأردنية عمان أن مدافن الدولمون في البحرين هي أشهر المقابر التاريخية في العالم ،حيث كان يوجد في البحرين نحو 172 ألف مدفن، جرى تدمير السواد الأعظم منها بسبب المد السكاني والتوسع الحضاري، منوهاً أنه لم يبق منها سوى ألف مدفن أي ما يعادل نسبة 4% منها، كما تم إعادة تأهيلها لتكون ضمن محمية أثرية.
وفي السياق ذاته بيّن عرجان أن العام 1879 شهد أول عملية تنقيب لهذه المدافن التي تأخذ شكل التلال الرملية أو الحفر الصخرية ضمن غرفتين علويتين، استخدم البعض منها مرات عديدة، فيما خصصت البقية للحكام الذين تجسدت فيهم أرواح الآلهة، حسب المعتقد السومري والأكادي والآشوري، وكانت جثثهم تجلب من أرض الرافدين من هذه الحضارات الثلاث للاستراحة الأبدية في أرض الخلود وأرض شروق الشمس الدولمونية بالبحرين.
وتابع أن هذه المدافن تنتشر في منطقة سار ومدينة عيسى وحمة ودمستان وكرز كان وتمتد حتى العرين، منوهاً بأن باحثين من بريطانيا وإيطاليا وأمريكا والأردن أجروا دراسات على هذه المدافن.
وقال إن قلعة البحرين تقع في جزيرة المنامة على الساحل الشمالي على ربوة ترتفع 12 متراً وتضم ضمن أسوارها أهم الحقب المدنية في تاريخ الدولمن، مضيفاً أنها تشمل ميناء ذا هندسة متقدمة يسمح للسفن الشراعية بالدخول إليه،عبر قناة مائية شقت تحت سطح البحر واستخدمت حجارتها في تحصين جدران القلعة.
وأوضح أنهم وجدوا في هذا الميناء نظام إرساء للسفن والوزن وختم البضائع، مشيراً إلى أنهم أنشأوا متحفاً خاصاً به في ذات الموقع يضم أهم المكتشفات من مقاطع صوانية ومقاشط وأختام جمركية من مختلف العصور إضافة إلى عملات تعود لعدة حضارات وفخاريات نادرة وعملات إسكندر المقدوني الفضية التي لا تقدر بثمن إلى جانب الحلي والمجوهرات التي تعود لذلك العصر.
ورداً على سؤال يتعلق بأنماط مدن الدولمن قال عرجان إن هناك خمسة أنماط للمدن الدولمونية، وأن معظمها تركز في منطقة المنامة ضمن أسوار قلعة البحرين الحالية التي تشرف على الشاطئ الشمالي بطول 750 متراً وعرض 360 متراً.
وقال إن المدينة الأولى وجدت في الفترة ما بين 288-2200ق .م وأن أهم ما عثر فيها هو الكسر الفخارية ذات التقنية العالية في ذلك العصر، في حين أن المدينة الثانية وهي فترة الذروة لتلك الحضارة ما بين 1800-750 ق.م ،تم فيها بناء المباني الضخمة نسبياً وقنوات الري المنتشرة قرب الجزيرة ومكابس التمر ومخازن الغلال وآبار المياه والميناء الدولموني.
أما أهم معالم المدينة الثالثة 750-325 ق.م فهو قصر أوبري في جزيرة المنامة، حيث تحول البناء إلى الجبص وظهرت تقنية الفخار الرقيق والمزركش، كما وجد أيضاً ضمن توابيت الدفن الفخارية، وكذلك أوعية تحتوي على فخاريات من ضمنها هيامل عظمية لأفاعي لم يستطع الباحثون الاهتداء إلى هذا الأسلوب في الدفن ولكن يعتقد بأن الأفعى ذات علاقة بأسطورة جلجامش.
وبخصوص المدينة الرابعة فقال إنها بنيت في فترة تايلوس 325 ق.م-622 م،وأهم مكتشفاتها العملات الفضية النفيسة التي تعود إلى الإسكندر المقدوني والموجودة في متحف قلعة البحرين، موضحاً أن البيوت المتكاملة التي أرفقت بها الحمامات وغرف التخزين الخاصة ونظام الزخرفة وزركشة الجدران، فظهرت في الفترة ما بين 622-1400م.
وقال الباحث الأردني إن موقعها المتوسط لحضارات العالم القديمة حتم على حضارة الدولمن إنشاء علاقات تجارية وثقافية مع مختلف حضارات العالم ومنها السومرية في العراق والتي اعتبرتها الأرض الطيبة المنتجة للثمار ،وأرض المياه العذبة المنتشرة بكثرة فوق اليابسة وتحت سطح البحر، ونقطة مهمة للتزود بالمياه والمؤن خلال رحلاتها التجارية. كما أنها الأرض التي يعتقد أن بركة الإلهة "إنكي" قد حلت بها واعتبروها أيضاً أرض الطهارة والحياة الأبدية، ولذلك حرموا فيها القتل والظلم وافتراس الأسد أو نهش الذئب للحمل حسب أسطورتهم المعروفة باسم"إنكي ونخور سات"، مؤكداً أن هذا المعتقد جعلهم يدفنون موتاهم من الكهنة والطبقات الراقية في أرض الخلود لإيمانهم بالحياة الأبدية ما بعد الموت.
وتابع عرجان أن الدولمن أنشأوا أيضاً علاقة مع الآشوريين وكانت امتدادا للعلاقة مع السومريين التي كانت تحت سيطرتهم إبان مملكة "أور" وذكرت في نص "دولمن ومجان وسرجون وبانيبال" وهي أهم النصوص التاريخية في ذلك الوقت،لافتاً أن علاقة الدولمن بالأكاديين ذكرت في أخبار سرجون الأكادي الذي أضاف الأراضي المحيطة بها إلى مملكته، وهي الساحل الشرقي للجزيرة العربية ، منوهاً أن الملك "جوديا"بعد أن قام بدك بابل، أرسل وفداً إلى ملكها "سنحاريب" ووضعه أما خيارين :إما الخضوع الكامل لنظام الحكم الأكادي أو الخراب الكامل كما حدث لبابل.
وقال إن حضارة الدولمن وجدت في البحرين منذ العصر النحاسي"الألف الثالث قبل الميلاد"في موقع متوسط لحضارات العالم القديم وهمزة الوصل ما بين بلاد الرافدين وحضارة السند في الهند والفراعنة في مصر وما كان في الجزيرة العربية،لافتاً أنها ذكرت في الكتابات المسمارية والسومرية التي تعد أول كتابة عرفها التاريخ وأبدعتها الإنسانية.